فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم حذرهم من مخالفة ملة الإسلام وأنذرهم بقوله: {وليبينن لكم يوم القيامة} بإظهار الدرجات والكرامات للأولياء وتعيين الدركات والبليات للأشقياء. {ما كنتم فيه تختلفون} حيث تدعون أنكم على الحق والمؤمنون على الباطل فتنقضون عهودهم. ثم بين أنه سبحانه قادر على أن يجمع المؤمنين والكافرين على الوفاء وسائر أبواب الإيمان ولكنه بحكم الإلهية {يضل من يشاء ويهدي من يشاء} والمعتزلة حملوا المشيئة على مشيئة الإلجاء بدليل قوله: {ولتسئلن عما كنتم تعملون} ولو كانت أعمال العباد بخلق الله تعالى لكان سؤالهم عبثًا. أجابت الأشاعرة بأنه لا يسأل عما يفعل. روى الواحدي أن عزيرًا قال: يا رب خلقت الخلق فتضل من تشاء وتهدي من تشاء. فقال: يا عزير أعرض عن هذا فأعاده ثانيًا فقال: أعرض عن هذا وإلا محوت اسمك من النبوّة. قال المفسرون: لما نهاهم عن نقض مطلق الأيمان أراد أن ينهاهم عن نقض أيمان مخصوصة أقدموا عليها وهو نقض بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدليل على هذا التخصيص قوله: {فتزلَّ قدم بعد ثبوتها} لأن هذا الوعيد لا يليق بنقض عهد قبيله وإنما يليق بنقض عهد النبي صلى الله عليه وسلم. قال جار الله: وحدت القدم ونكرت لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن ثبتت عليه فكيف بأقدام كثيرة، وهذا مثل يضرب لمن وقع في بلاء بعد عافية، ولا ريب أن من نقض عهد الإسلام وزلت قدمه عن محجة الدين القويم فقد سقط من الدرجات العالية إلى الدركات الهاوية بيانه قوله: {وتذوقوا السوء} في الدنيا {بما صددتم} بصدودكم أو بصدكم غيركم {عن سبيل الله} لأن المرتد قد يقتدي به غيره. {ولكم عذاب عظيم} في الآخرة، ويحتمل أن يراد أن ذلك السوء الذي تذوقونه هو عذاب عظيم. قال جار الله: كان قوم أسلموا بمكة ثم زين لهم الشيطان نقض البيعة لكونهم مستضعفين هناك فأوعدهم الله على ذلك، ثم نهاهم عن الميل إلى ما كان يعدهم قريش من عرض الدنيا إن رجعوا عن الإسلام فقال: {ولا تشتروا} الآية.
ثم ذكر دليلًا قاطعًا على أن ما عند الله خير فقال: {ما عندكم ينفد وما عند الله} من خزائن رحمته {باق} وفيه دليل على أن نعيم الجنة باقٍ لأهلها لا ينقطع، وقال جهم بن صفوان: إنه منقطع والآية حجة عليه {ولنجزين الذين صبروا} على ما التزموه من شرائع الإسلام {أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} أي بالواجبات والمندوبات لا بالمباحات فإنه لا ثواب على فعلها ولا عقاب، أو نجزيهم بجزاء أشرف وأوفر من عملهم كقوله: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160]. ثم عمم الوعد على أي عمل صالح كان فقال: {من عمل صالحًا} ولا كلام في عمومه إلا أنه زاد قوله: {من ذكر أو أنثى} تأكيدًا وإزالة لوهم التخصيص، والمبالغة في تقرير الوعد من أعظم دلائل الكرم.
ثم جعل الإيمان شرطًا في كون العمل الصالح منتجًا للثواب حيث قال: {وهو مؤمن} فاستدل به على أن الإيمان مغاير للعمل الصالح فإن شرط الشيء مغاير لذلك الشيء، واختلف في الحياة الطيبة فقيل: هي في الجنة. عن الحسن وسعيد بن جبير وقتادة، لأن الإنسان في الدنيا لا يخلو من مشقة وأذية ومكروه لقوله تعالى: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحًا فملاقيه} [الانشقاق: 6]. بيّن أن هذا الكدح- وهو التعب في العمل- باقٍ إلى أن يصل إلى ربه، وأما بعد ذلك فحياة بلا موت وغنى بلا فقر وصحة بلا مرض وملك بلا زوال وسعادة بلا انتقال، وقال السدي: إن هذه الحياة في القبر، والأكثرون على أنها في الدنيا لقوله بعد ذلك {ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كان يعملون} وعلى هذا فما سبب طيب الحياة قيل: هو الرزق الحلال، وقيل: عبادة الله مع أكل الحلال، وقيل: القناعة أو رزق يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: «اللَّهم اجعل رزق آل محمد كفافًا» قال المحققون: وهذا هو المختار لأن المؤمن الذي صلح عمله إن كان موسرًا فذاك، وإن كان معسرًا فمعه من القنوع والعفة والرضا بالقضاء ما يطيب عيشه. لأنه الكافر والفاجر فإن الحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه أبدًا ويعظم أسفه على ما يفوته لأنه عانق الدنيا معانقة العاشق لمعشوقه، بخلاف المؤمن المنشرح قلبه بنور المعرفة والجمال فإنه قلما ينزع لحب الدنيا مالها وجاهها ويستوي عنده وجودها وفقدها وخيرها وشرها ونفعها وضرها، وبركة الصلاح والقنوع مما لا ينكرها عاقل اللَّهم اجعلنا من أهلها. ثم إن ظاهر الآية يقتضي أن العلم الصالح إنما يفيد الأثر المخصوص بشرط الإيمان وظاهر قوله: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره}.
[الزلزلة: 7]. يدل على أن العمل الخير مطلقًا يفيد أثرًا مطلقًا فلا منافاة بينهما. ثم ذكر الاستعاذة التي هي من جملة الأعمال الصالحة وبها تخلص الأعمال عن الوساوس فقال: {وإذا قرأت القرآن} أي أردت قراءته إطلاقًا لاسم المسبب على السبب، وقد مر بحث الاستعاذة مستوفى في أول هذا الكتاب. {إنه ليس له سلطان} تسلط وولاية {على الذين آمنوا على ربهم يتوكلون} وهذا معنى الاستعاذة. فإن معناها بالحقيقة راجع إلى التبري عما سوى الله والتوجه بالكلية إليه والاعتماد في جميع الأمور عليه. {إنما سلطانه على الذين يتولونه} عن ابن عباس: أي يطيعونه. يقال: توليته أي أطعته، وتوليت عنه أي أعرضت عنه. أما الضمير الواحد في قوله: {والذين هم به مشركون} فقيل: راجع إلى الرب، وقيل: إلى الشيطان أي بسببه. اهـ.

.التفسير المأُثور:

قال السيوطي:
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)}.
أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سئل عن هذه الآية {من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} قال: الحياة الطيبة، الرزق الحلال في هذه الحياة الدنيا، وإذا صار إلى ربه جازاه بأحسن ما كان يعمل.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {فلنحيينه حياة طيبة} قال: الحياة الطيبة، الرزق الحلال في هذه الحياة الدنيا، وإذا صار إلى ربه جازاه بأحسن ما كان يعمل.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {فلنحييه حياة طيبة} قال: يأكل حلالًا ويشرب حلالًا ويلبس حلالًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {حياة طيبة} قال: الكسب الطيب والعمل الصالح.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {حياة طيبة} قال: السعادة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب من طرق، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فلنحيينه حياة طيبة} قال: القنوع. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: «اللهم قنّعني بما رزقتني وبارك لي فيه، واخلف على كل غائبة لي بخير».
وأخرج وكيع في الغرر، عن محمد بن كعب القرظي في قوله: {فلنحيينه حياة طيبة} قال: القناعة.
وأخرج وكيع عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القناعة مال لا ينفد».
وأخرج مسلم عن ابن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافًا وقنعه الله بما آتاه».
وأخرج الترمذي والنسائي عن فضالة بن عبيد، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قد أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافًا وقنع به».
وأخرج وكيع في الغرر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القناعة مال لا ينفد».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {حياة طيبة} قال: ما تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة.
{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} قال: هذا دليل من الله دل عليه عباده.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر، عن عطاء قال: الاستعاذة واجبة لكل قراءة في الصلاة أو غيرها، من أجل قوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه، عن جبير بن مطعم: «أن النبي لما دخل في الصلاة كبر ثم قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنه، أنه كان يتعوذ يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وأخرج أبو داود والبيهقي، عن أبي سعيد قال: «كان رسول الله إذا قام من الليل فاستفتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله إلا غيرك، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم».
وأخرج أبو داود والبيهقي، عن عائشة رضي الله عنها في ذكر الإفك قالت: «جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف عن وجهه وقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم} [النور: 1]. الآيات».
{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن سفيان الثوري في قوله: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا} قال: ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر لهم.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في قوله: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا} قال: ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر لهم.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {إنما سلطانه على الذين يتولونه} قال: حجته على الذين يتولونه {والذين هم به مشركون} قال: يعدلونه برب العالمين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {إنما سلطانه على الذين يتولونه} يقول: سلطان الشيطان على من تولى الشيطان وعمل بمعصية الله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في الآية قال: إن عدو الله إبليس حين غلبت عليه الشقاوة قال: {لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} [ص: 82-83]. فهؤلاء الذين لم يجعل للشيطان عليهم سبيل، وإنما سلطانه على قوم اتخذوه وليًا فأشركوه في أعمالهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}.
قوله تعالى: {مِّن ذَكَرٍ} {مِنْ} للبيان فتتعلقُ بمحذوفٍ، أي: أَعْنِي مِنْ ذَكَر، ويجوزُ أن يكونَ حالًا مِنْ فاعل {عَمِل}.
قوله: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} جملةٌ حاليةٌ أيضًا.
قوله: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} راعى معنى {مَنْ} فَجَمع الضميرَ بعد أن راعَى لفظَهَا فَأَفْرَدَ في {فَلَنُحْيِيَنَّهُ} وما قبله، وقرأ العامَّةُ {وَلَجْزِيَنَّهم} بنونِ العظمةِ مراعاةً لِما قبله، وقرأ ابنُ عامر في روايةٍ بياء الغيبة، وهذا ينبغي أن يكونَ على إضمارِ قَسَمٍ ثانٍ، فيكونَ من عطفِ جملةٍ قَسَميةٍ على قَسَمِيةٍ مثلِها، حُذفتا وبقي جواباها.
ولا جائزٌ أن يكونَ مِنْ عطفِ جوابٍ على جواب لإِفضائِه إلى أخبارِ المتكلم عن نفسِه بإخبار الغائب، وهو لا يجوزُ. لو قلت: زيد قال: واللهِ لأَضْرِبَنَّ هندًا ولَينفينَّها، تريد: ولَينفينَّها زيدٌ، لم يَجُزْ. فإن أَضْمَرْت قسمًا آخرَ جاز، أي: وقال: واللهِ لينفينَّها؛ لأنَّ لك في مثلِ هذا التركيبِ أن تحكيَ لفظه، ومنه {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الحسنى} [التوبة: 107]، وأن تحكيَ معناه، ومنه {يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ} [التوبة: 74]، ولو جاء على اللفظ لقيل: ما قلنا.
قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ} أي: فإذا أَرَدْتَ، فأضمرتَ الإِرادةَ. قال الزمخشري: لأنَّ الفعلَ يوجد عند القصدِ والإِرادةِ من غير فاصلٍ وعلى حسبِه، فكان منه بسببٍ قوي وملابسةٍ ظاهرة، وقال ابن عطية: ف (إذا) وَصْلةٌ بين الكلامين، والعربُ تستعملها في مثل هذا، وتقدير الآية: فإذا أَخَذْتَ في قراءةِ القرآن فاسْتَعِذْ. قلت: وهذا هو مذهبُ الجمهورِ من القُرَّاء والعلماء، وقد أخذ بظاهرِ الآية، فاستعاذ بعد أن قرأ، من الصحابة أبو هريرة، ومن الأئمة مالك وابن سيرين، ومن القرَّاء حمزة.
{إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)}.
قوله تعالى: {بِهِ مُشْرِكُونَ} يجوز أن يعودَ الضميرُ على الشيطانِ، وهو الظاهرُ؛ لتتحدَ الضمائرُ، والمعنى: والذين هم مشركون بسببه، وقيل: والذين هم بإشراكهم إبليس مشركون باللهِ، ويجوز أن يعودَ على {ربهم}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)}.
الصالح ما يصلح للقبول، والذي يصلح للقبول ما كان علىلوجه الذي أمر الله به، وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا} في الحال، {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} في المآل؛ فصفَاء الحالِ يستوجِبُ وفاء المآلِ، والعملُ الصالحُ لا يكون من غير إيمان، ولذا قال: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ}.
ويقال: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} أي مصدِّقٌ بأن إيمانه من فضل الله لا بعمله الصالح، ويقال: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} أي مصدِّقٌ بأن عمله بتوفيق الله وإنشائه وإبدائه. قوله: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} الفاء للتعقيب، {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} الواو للعطف ففي الأولى مُعَجَّل، وفي الثانية مؤجَّل، ثم ما تلك الحياة الطيبة فإنه لا يُعْرَف بالنطق، وإنما يعرف ذلك بالذوق؛ فقوم قالوا إنه حلاوة الطاعة، وقوم قالوا إنه القناعة، وقوم قالوا إنه الرضا، وقوم قالوا إنه النجوى، وقوم قالوا إنه نسيم القرب والكل صحيحٌ ولكلِّ واحدٍ أهل.
ويقال الحياة الطيبة مايكون مع المحبوب، وفي معناه قالوا:
نحن في أكمل السرور ولكنْ ** ليس إلا بكم يَتِمُّ السرورُ

عَيْبُ ما نحن فيه يا أهلَ ودِّي ** أنكم غُيِّبٌ ونحن حُضُورُ

ويقال الحياة الطيبة للأَولياء ألا تكون لهم حاجةٌ ولا سؤالٌ ولا أَرَبٌ ولا مُطَالَبَةٌ وفرقٌ بين من له إرادة فتُرْفَع وبين من لا إرادةَ له فلا يريد شيئًا، الأولون قائمون بشرط العبودية، والآخرون مُعْتَقُون بشرط الحرية.
{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)}.
شيطانُ كُلِّ واحدٍ ما يشغله عن ربه، فمن تَسَلَّطَتْ عليه نَفْسُه حتى شَغَلَتْه عن ربه ولو بشهود طاعةٍ أو استحلاء عبادة أو ملاحظةِ حال- فذلك شيطانُه، والواجبُ عليه أن يستعيذَ بالله من شرِّ نَفْسِه، وشرِّ كل ذي شر.
{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)}.
أنَّى يكون للشيطانِ سلطانُ على العبد والحقُّ سبحانه متفرِّدٌ بالإبداع، متوحِّدٌ بالاختراع؟
{إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)}.
إنما سلطانُه على الذين هم في غطاء غفلتهم، وستر ظنونهم ومشتبهاتهم. فأمَّا أصحاب التوحيد فإنهم يرون الحادثاتِ بالله ظهورُها، ومن اللَّهِ ابتداؤها، وإلى الله مآلها وانتهاؤها. اهـ.